,
ذاكرة العشق.
"١8"
فأنا فى يوم قاعد معاها فى سيدى أبي الحسن، وطب واحد راجل وكان من الصالحين من طحطا تبع سوهاج،
كان اسمه الشيخ سعد الشاذلى شيخ طريقة، ومنشد، وصوته جميل، ومحب جميل،
وفى نفس الوقت بنّاء، فلقيته جه، وأنا قاعد أنا وأمي، ومعاه عدة البناء.
وقال لأمي الحاجة: "أنا شفت يا أمي رؤية إن فيه واحد مهندس قاعد معاكى هنا، وبيخطط على القبر بتاعك،
وقال لي قوم يا سعد خد العِدّة، وروح ابنى القبر بتاع أمك اللى حتنزل فيه!".
واحنا قاعدين بنتكلم - بتكلمني فى حاجة فى حكاية الانتقال دية، أول ما فاتحتني
- قالت لي: "إنت عارف إن حضرة النبي، صلى الله عليه وسلم انتقل، وأبويا انتقل، وأبوك، وأمك..."
- عاوزة تدخلني فى حتة انتقالها، وهى بتتكلم الكلام ده جه الحاج سعد، الله يرحمه، فلما قال لها إنه شاف رؤية،
إن فيه مهندس، وبيخطط على القبر بتاع أمي،
- قالت له: "أهوه! قوم يا إبراهيم شوف أمك حتنام فين!!
- " فأنا قاعد بأبكى، وزعلان، وتعبان،
- قالت لي: "قوم، قوم شوف أمك حترتاح فين"،
- قمت خرجت من الأوضة إللى أنا قاعد فيها أنا وهي، وربنا وجهني للمكان إللي فيه المقام حالياً.
ورجعت لها قلت لها: "ربنا اختار لك المكان ده يا أمى ."، وشاورت لها عليه،
- قالت:"ده بيقول مهندس؟"،
- قلت لها: "يعنى أعمل إيه؟"،
- قالت:"هناك جير هات، واعمل زي المهندسين مابيعملوا!"
بعد ما كنت مختار الركن دهوة نفسه، جبت الجير، وعملت الضلع إللي فى الباب،
والضلع اللى جهة قبلي فى المباني جوه، وأخبرتها بمافعلت،
- قالت لي: "عاوزاك تفحت دلوقتي أهوة!"،
- قلت لها: "يا أمي لن تطاوعني ذراعاي!
- " قالت لي:"طاوع..."، وعملت بإيدها كده عليَّ، وقالت: "طاوعوه...
- "، رحت هناك، ومسكت الأزمة كده، والأرض هناك صخرية، تقدح نارا،
طبعاً أنا روحي رايحة أول ما ضربت الأزمة كده،
بدأ الصعايدة الحفر بعدي، بالصلاة على النبي
( يعني عملنا حوالي ثلاثين سنتيمترا، أو أربعين سنتيمترا،
- وطلعت لي أمى بصورة عند البوابة إللي هناك دي، وقالت لي: "يا إبراهيم يا عين أمك، يا روح أمك..."،
قلت لها: "نعم يا أمى"، قالت: "أمك اهية يا حبيبي"، صورة عمري ما شفتها من قبل.
صورة بنت ثماني عشرة سنة، وفرع هاشمي، ونور النبى واضح خالص خالص كده عليها.
والريحة فايحة جدا، أنا قلت" أنا أهوة يا أمي"، وارتميت. قالت: "هاتوه..." رحت قعدت معاها.
وخلصنا وطول الليل تكلمنى على حكاية الانتقال.
ففينا إللي تعشى، واللى نام بقى، إنما أنا قاعد معاها، قالت: "أنا حنتقل إن شاء الله فى كذا!!"،
قلت لها: "أنا يا أمي لو علمت كده حتعب، حاموت يا أمي"، قالت:"لأ احنا حنبقى محزمينك،
ومنصبينك! شوف أمك طول إيه!" وتضحك، وأنا بابكى بابكى دايب،
- قلت لها: "طيب إن سمعت هذا الخبر، حافضل على حال سماعي لغاية ما أموت!"، قالت: "يعنى إيه؟"،
قلت لها:"لا حاحلق ذقني، ولا شعري، ولا أغير جلابية، ولا طوق، ولا حاجة أبداً.
" قالت "ده احنا نضاف وظراف ده إحنا أهل تقى، وإنت تبقى تراب!! ؟؟،
ده إنت تلبس أحسن الملابس فى الوقت ده، بس حنبقى محزمينك ومنصبينك زي الرجال،
وبكره تقول أمي قالت."،
- "يا أمي مفيش
- ! هو إن شاء الله كده
- !!" قعدت بقى، خلاص تايه مش تايه؛ دايب دايب، لغاية ما صلينا الفجر، وقالت: "كله ينزل مصر،
وإنت يا إبرهيم روح لأولادك، وقول لبنت القلب أم مصطفى هى أمك ما وحشتكيش؟!،
وابقى تعالى يا إبراهيم، ولّا أقول لك إبقى خليك شوية، ابقى تعالى، ولّا أقولك إبقى خليك،
- حصل مرتين ثلاثة كده، فالناس اتجمعوا، والعربية دارت واللى حينزل ركب،
وكان معانا الحاج احمد محرم، الله يرحمه، كان مراقب حسابات شركة عثمان أحمد عثمان، زي وزير كده،
وكان زي حالاتي دلوقتي، مريض بالقلب، فكله ركب،
- وقالت:"يا أحمد، خذ إبراهيم معاك فى الكبينة."،
- المهم ركبوا كلهم، وقالوا لها: "الناس كلها ركبوا يا حاجة!"،
- أنا بقى إللي معاها لسه، قالت:"طيب روح بقى يا إبراهيم."،
قلت لها: "حاضر حضرتك بتقولي أروح أشوف أولادي!" قالت: "آه"،
- "حاروح أشوفهم!" ومسكت الباب، وبقيت مش قادر خالص، وروحي حتطلع مني، مش شايف الدنيا.
- "روح يا إبراهيم"، قلت لها: "حاضر يا أمى"،
- تَسكُت، اتريها بتقول لي وتسكت، وكان سكوتها ده بكاء على بكائي،(يبكي)،
- الناس يجو لها: "الناس ركبوا"، تقول: "حاضر هو حيجي معاكوا دلوقتي، روح يا إبراهيم،
روح يا ولدي."،
- "حاضر يا أمي"، ماسك الباب تعبان، وبكاء شديد، روحي حتطلع فعلا، روحي حتطلع،
وكنت أتمنى لو طلعت فى الوقت ده. إنما إرادة ربنا. الحاج احمد محرم قال: "تعالى يا إبراهيم!"،
- قالت: "حطوا له شنطته" وقالت"تعالى يا إبراهيم!"، وخدتني من إيدي بإيدها قالت لهم: "ركبوه"،
فواحد جاي على حيشلني، شخطت فيه شخطة كان حيقع. قال لها: "مش إنت بتقولي ركبوه يا ست الحاجة؟"
- قالت: "أنا قلت ركبوه، قلت لك إنت ركبه؟!، يلا يا إبراهيم."،
- واناانظر لها وأقول عليك رضوان الله يا أمي، عليك السلام يا أمي.
كان الوداع الأخير "يلا يا إبراهيم"، وأنا دايب
- قالت لي: "ادعي لي يا إبراهيم"
- أنا مش عارف أنا قلت إيه قلت لها: "ربنا يبارك لك فيا يا أمي!". اتجهت للقبلة، ومسكت فيّ،
قالت: "اللهم تقبل يااااا رب، اللهم تقبل يااااا رب!" وراحت مركباني، ودخلوا ومشينا،
جيت مركبتش فى الكبينة، نزلت ركبت فى الصندوق مع الناس، وأقول والبكاء يخنقني:"اللقاء،
يوم اللقاء يا أرض سيدي أبي الحسن، اللقاء يوم اللقاء ياسماء سيدى أبي الحسن،
اللقاء يوم اللقاء،
يا سيدى أبو الحسن لغاية ادفوا ثلاثمائة كيلو وأنا واقف، واخونا إللى نام، واللى قاعد.
كل واحد فى حاله لغاية ما جيت، ونزلت الشهداء.
يتبع بمشيئة الله ...
.