.
"4"
فى إحدى المرات داخل أزور سيدنا الحسين رضى الله عنه،
وجدت جنازة سيدنا الشيخ د. محمد أبو العيون،
وكان وكيل كلية أصول الدين بالقاهرة، جامعة الأزهر فى 1/1/1970م.
فخرجت جارياً لأمى لأخبرها فأخبرتنى هى وقالت:"الدوام لله يا ولدي،
فقد وقع ركن من أركان الإسلام الآن،
والدوام لله يا ولدى."،
ومرة أخرى وجدت إعلان فى الجامعة بوفاة سيدنا الشيخ عبد الغفار الخفيف
فذهبت إليها لأبلغها فأخبرتنى هى أيضاً فقالت: "الدوام لله يا ولدى فى الشيخ عبد الغفار الخفيف يا إبراهيم."،
وفى يوم من الأيام كنت نائما فى بيتي رقم 9 درب الطبلاوى،
وكانت الساعة الثالثة عصراً تقريباً فوجدت بعض إخوانى يوقظونني،
ويخبرونني بأن أمنا أخبرتهم أن سيدنا الشيخ إبراهيم أبو عمار يزور مولانا الإمام سيدنا الحسين، فاذهبوا،
وقابلوه، ورحبوا به حتى يأتيني وفى طريق عودتكم للخدمة مروا على إبراهيم وأخبروه ففعلوا،
فخرجت معهم حافياً فوجدته رضى الله عنه وأرضاه يجلس على كرسى أمام خلوة أمي،
ومعه بعض أحبابه، الشيخ علي أبو السعد، والشيخ صبَّاح،
وآخرون فعندما وصلت إليه وأنا حافى القدمين من شدت فرحتى بلقائه، عليه رضوان الله،
سجدت على الأرض حمداً لله وشكراً أنه حضر طرف أمي،
فأراد أن يخاطبنى فقال لى بعد ما سلم علي،
وهو يضع إبهام يده اليمنى على إبهام يدى اليمنى: "ما اسمك؟"،
وهو يعرفنى جيداً، وإنما هى مداعبة فقلت له اسمى إبراهيم،
فقال "وما اسمى؟"، فقلت "سيدنا، وتاج راسنا الشيخ إبراهيم أبو عمار.
" قال: "وما اسم سيدى إبراهيم الدسوقى؟"، قلت له "إنه قرشى،
أما كلمة دسوقي فهى نسبة إلى دسوق."، قال "ما اسم سيدنا الخليل إبراهيم؟"،
فقلت، "سيدنا إبراهيم لأنه خليل الله." فسألنى "أين عملك؟"، فقلت له"جامعة الأزهر.
"فسألتي" متى تخرج؟" فقلت له "الساعة الثانية ظهراً كل يوم."، فسألنى "هذه وظيفة؟"
فقلت "نعم."، فقال "تخرج من الجامعة، وتأت إلي هنا فى خدمة أمك، وهذه وظيفة أخرى ثبتناك بها."،
هذا عطاء من الله لنا، وإكرام من الله لنا، وشرف عظيم جداً لنا بأن أيدنا وثبتنا أل بيت النبى ،صلى الله عليه وسلم،
فى خدمة آل بيت النبى ،صلى الله عليه وسلم، التي هى خدمة أمي، وهم رجال الله الصالحين،
وهذا فضل الله علينا، والحمد لله ببركة أمى.
وفى يوم من الأيام، وبعد خروجي من عملى دخلت الخدمة،
وكنت أحب ان أرى أمى أولا، فدخلت عليها الخلوة سلمت عليها،
ورأيت معها سيدة أخرى كنت أعرفها تلبس جلباباً أبيض، وعليها طرحة خضراء،
مقلدة أمي، فبعدما سلمت علي أمي قلت لها مداعباً "أمي، هي عيني زغللت إيه ده؟"،
قالت "يا ابن القلب!!"، فى ابتسامة ، فحولني ربى على هذه السيدة الجالسة بجوارها،
وقلت: "من أنت؟" قالت: "أنت مش عرفني يا إبراهيم؟!" قلت لها: "أنا لا أعرف أحداً،
ومن أذن لك بالجلوس إلى جوار أمي؟!"، فقالت: "أنا جالسة بجوار أختي. فقلت لها منكراً بشدة،
"أمي ليس لها أخوات هى دى لها أخوات؟ قومي وانزلي من هنا فوراً."،
فنزلت وقامت غاضبة، لأنى كنت لا أحب من يجلس معها من السيدات العاديات،
وكنت لا أحب أن يجلس أحد مكانها
رجلا،
أو امرأة،
أو أى إنسان،
وهذا كان حالي معها.
وبعد قليل دخل بعض أخوتى على أمي، وقالوا أمامي "شوفوا إبراهيم عمل إيه؟،
احنا كنا عاوزين نقومها هو قومها، وأخرج هذه السيدة غيرة على أمه،
واحنا كنا غضبانين من هذا المنظر، وكنا لا ندرى ماذا نفعل؟
حتى جاء إبراهيم، وعمل ما كنا نريد..."
ذهبت أنا، وأم مصطفى، والأولاد، كي نبارك لأمي على الخدمة الجديدة، فجاء أحد الزملاء،
وأعطى لابنى مصطفى حقنة أوقفت رجلة فغضبت أمه،
ودخلت تشتكى لأمنا رضى الله عنها، فقامت أمنا من فورها متوجهة إلى مقام مولانا الإمام الحسين،
وكنا حوالي الساعة العاشرة تقريباً، رغم أننا زرنا جميعاً فى الساعة السادسة صباحاً.
ولما عادت، عليها رضوان الله تعالى، قالت لزوجتي "لاتخافي ولدك بخير."،
وذلك بعد زيارتها مولانا الإمام الحسين لأنها كانت زيارة خاصة من أجل ابنى، وفعلا أنقذه الله.
كان لنا أخت صالحة اسمها "جنات"، وكانت تعيش معنا فى الخدمة، وأرادت أمى أن تأخذها معها للحج،
وكلفت أحد الصالحين بعمل جواز سفر ل"جنات"، ونحن فى المطار لتوديعها كلفتني،
رضي الله عنها، مع اخي الأستاذ الفاضل إبراهيم أبو زيد أن نسأل عن جواز سفر "جنات"
فقدمت أخي إبراهيم ليسأل هو الشخص الملكف بعمل جواز السفر احتراماً منى له .
فلما سأله أخى إبراهيم. قال له "أين أنتم الآن؟"، فقلنا له "نحن الآن فى المطار.
" فقال"لم أتمكن من عمل جواز السفر المطلوب لجنات."،
فعدنا لأمنا لنبلغها، فنشرت عباءتها على "جنات" وقالت "لا أكون بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
إن لم آخذ "جنات" معي وبدون جواز سفر!"،
وأخذتها بالفعل فسافرت للحج هى و"جنات" وكلنا أصبحنا فى قلق شديد خوفاً على أمنا،
رضى الله عنها من الإحراج فى أى مكان. فلما عادت بسلامة الله بعد الحج هى و"جنات"
سألناها "ماذا حدث معك يا أمي؟" قالت:"لم يحدث شئ أبداً بإذن الله فى خروجنا من مصر،
وفى دخولنا السعودية، ولا فى عودتنا. غير أني قابلت سمو الأمير محمد الفيصل،
وقلت له إنني مدينة للسعودية بقيمة تذكرة "جنات"، لأننى أحضرتها معى بدون جواز سفر،
ولا تذكرة، وكنت أريد ان أدفع ثمن التذكرة للسعودية."، فقال لها"كيف أدخلتيها بدون تأشيرة؟
إذا بحثنا فى هذا الأمر فسوف يتسبب فى ضرر أناس كثيرين فى مطار القاهرة ومطار السعودية.
وكذلك شركة الطيران، فأنت تقومين بالإطعام كثيراً فقيراً وغنياً، فخذي هذا المال معك، وجنات.
وكما أحضرتيها أرجعيها."، هذا ما قالته أمنا لنا، ثم بعد ذلك عندما فرحنا بما قالته أمي،
وبهذه الكرامة حيث أخذت معها جنات للحج، وعادت بها بدون تذكرة سفر، ولا تأشيرة،
ولا جواز سفر أصلا، فجمعتنا أنا وأخواتي،
وحلفتنا أن لا نتحدث بهذه الكرامة طوال ما هى على قيد الحياة
وقالت،رضي الله عنها، "لما أموت قولوا ما تشاؤون".
وفى إحدى المرات التى كنا نذهب فيها لزيارة مولانا الإمام الحسين رضى الله عنه
كما كانت عادتنا يومياً الساعة السادسة صباحاً وكنت أسير إلى جوار أمي،
وهي تضع يدها الشريفة على كتفي، وكان معي حقيبتها الخاصة وبها خمسون جنيها،
فأخذتهم ووضعت مبلغاً في جيبها اليمين، والآخر في جيبها اليسار.
وعند ذهابى إلى عملي قالت لي"يا إبراهيم انتظر حتى أعطيك نقود لتشترى لنا حاجات من سوق الخضار،
فوضعت يدها فى جيبها فوجدت خمسة جنيهات فقط، التى كانت قد أعدتها لتعطيها لأحد العمال بالمقام الشريف.
فعلمت أنها أعطته الخمسة وأربعين جنيهاً وهى تكلمني.
فسألتني "كم أعطيت للرجل يا ولدى؟"، قلت "لا أدرى يا أمي".
قالت:"اذهب واسأله..."، فقلت لها "إن كان قد أخذ خمسة وأربعين جنيهاً أحضرهم منه؟"،
قالت: "لا يا ولدي اسأله فقط. فذهبت إليه، وعند دخولي المقام وجدته، فرح بي جداً، ورحب بي،
وبكى ثم قال قبل أن أسأله: "تصدق يا إبراهيم، زوجتى وضعت اليوم فى الفجر، ولم يكن معي أى نقود،
ولا فى منزلى شئ. فأتيت إلى مقام سيدنا الحسين، وصليت، وطلبت من الله الفرج. فجاءت الحاجة زكية،
وأعطتنى خمسة وأربعين جنيهاً. فرجعت إلى أمي، وأخبرتها بذلك وكانت جالسة فى خلوتها فخرت لله ساجدة،
وهى تقول "كيف أحمدك،وأشكرك يا رب..."وبكت وقالت "كنت أريد أن أعطيه خمسة جنيهات،
وأنت جعلتنى أعطيه خمسة وأربعين جنيهاً فى وقت حاجته.
كيف أشكرك على ذلك يارب وبكت وقالت "اذهب واحضره يا ولدي"، فأحضرناه، فقامت بإكرامه،
وكلفتني بتجهيز بعض الأشياء من الخدمة، ليأخذها معه عند انصرافه. ففعلت ،
رضي الله تعالى عنها، وأرضاها وهذه كرامة أخرى لها.